علوش بن ظويهر العنزي ينقد فنجان القهوة في مجلس إبن رشيد في برزان :
جرت هذة القصة إبان حكم إبن رشيد ( الأمير محمد العبدالله الرشيد .. الحاكم الثالث في إمارة آل
رشيد .. أو إمارة
الجبل مثل ما سميت والتي إستمر حكمها حوالي 90 عام ، كان محمد العبدالله الرشيد ممن دعموا
الحكم وتوسع
في رقعة الأمارة ليشمل كافة نجد من شمالها لجنوبها ) ويعتبر محمد العبدالله الرشيد من أقوى حكام آل الرشيد
ومن أكثرهم فطنة وحنكة .. وكان مجلسة يجمع شيوخ القبائل والشعراء والرجال العارفة بأمور الحياة .
في أحد الأيام وعند جلوس الأمير محمد في مجلسة أمر بأن تصب القهوة لضيوفة وكما هي العادة ..
يقوم صبابي
القهوة بالبدء بمن هم على ميمنة الأمير ، لأهميتهم وكان بالمجلس وممن جلس على الجهة اليمنى -
ليس بقرب الأمير
مباشرة ، ولكن ليس ببعيد عنه _ شخص يدعى علوش بن ظويهر العنزي وهو شخص على دراية تامة
بصنع القهوة
وبطعمها ويعرف طعمها إذا داخله شيء غريب ..
وصل فنجان القهوة لعلوش .. وعندما رسف منه رشفة تغير وجههة إذا علم بان هناك طعم غير مستساغ في
القهوة .. فماذا فعل ؟؟؟؟ فهق المسند الي وراه أي أبعده عن الجدار وكب الفنجان وهو يحاول أن يستتر
بفعلته هذه لأنها في سلوم العرب ( عرف العرب ) عيب وإهانة لصاحب المجلس .. أثناء فهقته للمسند وكبته
للفنجان رآه إبن رشيد وهذا ما كان يخافه علوش .. وإذا بإبن رشيد يبادر علوش بصوته الجهوري وبلهجة أهل
الشمال بقوله :
(( وراك سفيت الفنجان يا علوش !!! )) أي لماذا سكبت الفنجال ولم تشربه ؟؟؟
فأجاب علوش وجلاً (( والله يا طويل العمر ..... مالي نظر بالقهوة اليوم )) بمعنى لا أرغب شرب القهوة وهذا
الجواب .. مثل ما يقول المثل عذر اقبح من ذنب ألا أن الخوف دفعه ليقول مثل ذلك...
فرد عليه إبن رشيد بغضب أكبر :
(( شلون مالك نظر بالقهوة .. وأنت لك كم يوم عندنا تشرب منه )) والمعروف في لهجة أهل الشمال أنهم
يذكرون
المؤنث في حديثهم ..
فطلب الأمان علوش من الأمير ليقول الحقيقة .. وأعطاه إياه.. فقال علوش (( الحقيقة يا طويل العمر .. القهوة
صايدة )) بمعنى أن القهوة تحتوي على طعم غريب ون هناك شيء ما دخل فيها أثناء طبخها ...
فإستغرب إبن رشيد كثر وقال (( صايدة !!! وش صايدة ؟؟ ))
فرد عليه علوش بثقة (( قهوتك صايدة قعسي ... - والقعسي حشرة صغيرة سوداء أكبر من النملة بشوي - وإن ما
ما كانت صايدة .. رقبتي لك رهينة )) ..
بجواب علوش .. تحدى الأمير في أن يثبت صحة كلامة وأعطى رقبته رهنا لما يقول وإثبات لصحة كلامة ..
أمر إبن رشيد بأن يؤتى بالدلة وأن يؤتى بقدر لتصب فيه وأن يوضع على القدر ليف ليصفي البن .. وفعلا صبت
الدله على الليف وبعدها قام الأمير يحرك البن اللي تجمع على الليف بعود معه ..وإذا فعلا .. يجد حشرة القعسي
مهترئة ويابسة كأنها ورقة من أوراق الشاي السوداء..... !!!!
هنا ألتفت إبن رشيد على علوش وقال له مستغرب (( وشلون عرفت إن بالقهوة قعسي )) ..
فجاوب علوش وهو جالس بطريقة تدل على الفخر لأثباته على صحة كلامة وفوزه بالتحدي (( القهوة يا طويل العمر
به طعم حموضة .. !! ))
فالتفت إبن رشيد على أحد من أخوياه وسال عن علوش : كم له بالضيافة عندنا فأجابه الخوي يومين .. فأمر
بقوله خلوه يقعد أبا أختبره واشوف إن كان كلامه مضبوط وبشوف معرفته بالقهوة هل هي صحيحة وإلا إنها
مرة وصابت وبس ...
إختلى إبن رشيد بمعاونيه وخوياه يسالهم عن الأشياء اللي ممكن أن نضيفها مع القهوة ولا يبين طعمها .. فاشار
عليه واحد منهم أن يضيف ثمرة أو وورقة عرفج وبعضهم قال نينخة .. وهلم جرا ..
أخذ يأمر القهوجي اللي يسوي القهوة بأن يضيف ما قالوه إلى القهوة ويبهرها ويصب ويسأل بن رشيد .. ((
هااااا يا علوش ... القهوة به طعم شين اليوم ؟؟؟ )) أي هل بها طعم شيء ما اليوم ؟؟
فيجاوب علوش ( إي نعم يا طويل العمر .. به طعم عرفجة !!! ... به طعم نينخة ))
يوما عن يوم يزيد إستغراب إبن رشيد ويظل يبحث عن شيء يخفيه في القهوة ولا يعلمه علوش ..
أتى أحد أصحاب الأمير محمد بن رشيد قادما من الحج وإلا معه مسواك جديد طري وعلم بالتحدي بين الأمير
وعلوش ... وأشار على بن رشيد أن يلحي جزء من قشرة المسواك ويضيفها للهيل ويبهر القهوة فيها ...
وفعلا عملوا ذلك وأمر القهوجي بأن يصب الفنجان لعلوش وساله مرة أخرى
(( هااااااا يا علوش القهوة به طعم شين اليوم ))
فيجيب علوش (( إي والله يا طويل العمر ..... القهوة به طعم راك !!! ))
شجرة الراك هي ما يؤخذ من جذورها المسواك ..
آخر ما فكر به إبن رشيد أن يأمر القهوجي بأن يطبخ مع القهوة فنجان حب بن نيء
أخضر غير محموس وفنجان بن محروق تماما .. وقال القهوجي أطبخها وبهر وصب لعلوش ..
وقال لعلوش سؤالة التقليدي (( هاااا يا علوش .. تشوف به طعم شين اليوم ؟؟؟ )))
فرد علوش (( إي والله يا طويل العمر .. به طعم نيات .. وطعم حرق ))
أي أن القهوة بها طعم بن نيء وطعم بن محروق !!!!
هنا أيقن إبن رشيد أنه مهما حاول أن يخفي الطعم الغريب سيعرفه علوش وأيقن من درايته بالقهوة وطبخها وصنعها .. فقال له :
(( إسمع يا علوش ... كل ما يصير القمر مثل الباكورة بالسما .. وجهك وأشوفه ..
وكل ما ينوبك من قهوة ومعاميل ... علي الين ما أموت )) يعني كل ما يكتمل القمر
وصبح دائريا بدرا تعال إلينا لكي نعطيك ما يلزمك من قهوة وأدوات لصنعها وما يلزمك
من حاجيات لضيافة الضيوف .. وهذا يعتبر حينئذ أكبر تكريم فالقهوة وما يلزمها عمو الضيافة
ومشروب أساسي يقدم للضيوف ..
حضر هذة الحادثة شاعر يسمى محمد أبا الروس الذويبي ( من قبيلة حرب ) وصاغ الأبيات التالية
مسجلا تلك لقصة المشهورة يقول فيها :
تستاهل الكيف الحمر يا بن وايلأنت الذي تستاهل الكيـف كلـه
يللي نقدته وسط ديـوان حايـللولاك يا علوش محدن فطن له
بدلال من يجعد صقا كل عايـلالضيغمي ريف اليديـن المقلـة
الضيغمي مردا المهار الأصايليا ما أنقطع بساقته مـن سجلـه
يا بن ظويهر ما بها قول قايـلتستاهل الفنجان لا جـا محلـه
يا ناقد الـدلال بحكـم الدلايـليا ريف هجن والمزاهب مقلـة
ربعك بني وايل مجاز القبايـلأهل الجموع الراسية والمظلـة
زبن الدخيل اللي توطاه طايـلالجمع دونه والرمك مردف لـه
وفي القصيدة مدح لعلوس وإبن رشيد ( الضيغمي ) وهو لقب يطلق على آل رشيد وعبدة الفخذ
اللذي ينحدرون منه ومدح أيضا لقبيلة عنزة ( بني وايل ) الذي وصفهم بالكثرة والمنعة
وإجارتهم للدخيل الهارب.
نقلت القصة عن الراوية المشهور محمد الشرهان أبو خالد أطال الله في عمره . مع الــســلامة